وهذا جندى ولا أقول هذا قائد من قادة المسلمين، بل جندى يعطى عهداً بالأمان لقرية فى العراق بقيادة أبى عبيدة بن الجراح- رضى الله عنه- وأخبر الجندى قائدة أبا عبيدة فأرسل أبو عبيدة بن الجراح كتابا لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- على الفور ليخبره، وليتلقى منه الأوامر اسمع ماذا قال عمر – رضى الله عنه- أرسل عمر رسالة إلى أبى عبيدة بن الجراح- رضى الله عنه – وقال فيها بعد حمد الله والثناء عليه: إن الله عز وجل عظيم الوفاء، ولا تكونوا أوفياء حتى توفوا لهم بعهدهم، وتستعينوا بالله عليهم. وأود أن أقف لاستخراج أمرين من هذه الحادثة:
الأول: أن عمر بن الخطاب أراد أن يبين كرامة الفرد حتى وإن كان جنديا امتثالاً عملياً من عمر، يقول النبى كما فى صحيح البخارى:" المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم على أعلاهم"( ) .. فلقد بين كرامة الفرد حتى وإن كان جندياً أعطى لقرية أو أهل بلد، فيجب على المسلمين وقائد هذا الجيش أن يفى بعهد هذا الجندى لأهل هذا البلد.
الأمر الأخر: لقد أثبت عمر أن أخلاق الإسلام ليست حبيسة الأوراق وليست حبيسة الأدراج كما فعل فى الثورة الفرنسية أو كما فعل فى إعلان الحقوق العالمية للإنسان فى أمريكا أو فى هيئة الأمم، لقد ظلت هذه القيم النظرية حبيسة الأدراج والأوراق، نعم ففى اليوم الذى أعلنت فيه الثورة الفرنسية مبدأ لحقوق الإنسانية وأمن الناس جميعاً، سواء استبعاد القانون الفرنسي نفسه قرابة ما يزيد على نصف الشعب الفرنسي من التصويت فى الانتخابات، لأنهم يعتبرون المواطن الفقير مواطنا سلبيا، ولما أعلنت أمريكا مبدأ حقوق الإنسان بنص القانون أبقت أستعداد الجيوش قرنا آخر من الزمان بعد إعلان هذا القرار النظرى.
الإسلام لا يقدم مثلا نظرية بل يقدم مثلاً ربانية نبوية للتألق فى دنيا الناس سمواً ورفعة وجلالا وروعة وجمالا، لا لقد تحولت هذه المثل فى دنيا الناس إلى واقع أعلنها المصطفى مدوية:" وايم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".( ) ..