لتفكر ممكن في أي زمان وأي مكان
أن التفكر والتدبر لا يستدعيان مكاناً أو زماناً أو شروطاً محددة، فالإنسان يمكن أن يتفكر ويتدبر خلال المشي في الشارع،
عند توجهه إلى مكتبه، خلال قيادته لسيارته، أو خلال عمله أمام شاشة الكومبيوتر، أو خلال جلسات السمر مع أصدقائه،
وربما خلال مشاهدة التلفزيون أو حتى خلال تناول الطعام.
فخلال قيادة السيارة مثلاً يمكن رؤية مئات الأشخاص في الشوارع، وعندما ينظر الإنسان إلى هؤلاء الأشخاص يمكنه أن يتفكر
في أمور شتى، فلربما انصرف ذهنه إلى الاختلاف الكامل في المظهر بين هؤلاء الناس، فليس هناك واحد منهم يشبه الآخر!
=====
كم هو مذهل هذا الاختلاف في المظهر بين الناس الذين لديهم نفس الأعضاء من العيون إلى الحواجب إلى الرموش والأكف
والأيادي والأرجل والأفواه والأنوف.. ولو استغرق الإنسان في التفكير أكثر لتذكر أن الله قد خلق الألوف من البشر عبر بلايين
السنين وكل واحد منهم مختلف عن الآخر، وما ذلك إلا دليل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى.
والذي يراقب كل هؤلاء الناس يحثّون الخطى؛ تتجاذبه أفكار شتى، فللوهلة الأولى يبدو أن كل واحد من هؤلاء هو نسيج وحده،
له عالمه الخاص
وأمنياته ومشاريعه وذوقه وأسلوبه في العيش، وأمور تفرحه وأخرى تحزنه.. ولكن هذه الخلافات بين البشر ليست أساسية،
فبشكل عام كل إنسان يولد ويكبر ويتعلم ثم يتزوج وينجب الأولاد ويزوجهم فيصبح جدّاً أو جدة ثم يتوفى في النهاية..
من هذه الناحية ليس هناك اختلاف كبير في حياة الناس، سواء كانوا يعيشون في حي في استانبول أو في مدينة في المكسيك،
فإن ذلك لن يغير شيئاً ، فكل هؤلاء الناس سوف يموتون وربما بعد قرن من الزمان لن يبقى منهم أحد على قيد الحياة.
ومن يدرك هذه الحقائق لا بد أن يسأل نفسه: بما أننا في يوم من الأيام سوف نموت جميعاً لماذا يتصرف الناس وكأننا لن نبارح
هذا العالم؟ ولماذا يتصرف من أدرك حتمية موته وكأن هذه الحياة الدنيا لن تنتهي في حين يجدر به أن يجاهد من أجل الفوز
بالآخرة؟!
---------